في أحضان فاتنة

أحمد الملوحي
لست على ضفاف نهر السين أو في أحراش الأمازون و إن كانت الصورة تبدو للوهلة الأولى كذلك ،أو مأخوذة من مكان مماثل في بعض الدول التي حباها الله طبيعة خلابة ، وكانت ومازالت مقصداً رئيسياً للسائحين من مختلف أصقاع العالم .
لكن الحقيقة التي أدهشت الكثير وأنا أحدهم أن هذا الجمال الأخاذ و المنظر النابض بالحياة ،الغارق في الحسن و البهاء هنا قريباً منا على بعد بضع كيلومترات في حلي الحبيبة .
وللجم الدهشة وكبح جماحها نفضت غبار الكسل عن نفسي ، وقررت قصد المكان الذي لم يتوقف الناس من حولي عن الحديث عنه وهناك عاتبت نفسي كثيرا على كل هذا التأخير ، و بينما أنا جالس أستحضر قول إيليا أبو ماضي :
ولك الحقول وزهرها
وأريجها
ونسيمها والبلبل المترنّم
والماء حولك فضّة رقراقة
والشمس فوقك عسجد يتضرّم
قفز الى رأسي سؤال : لماذا لم يكن هذا المكان معروفاً للكثير من قبل ، وكأنما هو أشبه بفاتنة أماط الهواء اللثام عن وجهها فتبدى للناظرين حسنها الذي لم تبصره أعينهم من قبل ولا أعلم يقيناً هل كان المكان سابقا كما هو اليوم أم لا ؟ لكن ما رأيته بأم عيني جعلني أشعر بسعادة غامرة .
وما جعلني أكثر سعادة هذا الدور الكبير الذي تقوم به بلدية حلي ، في تهيئة سبل الراحة للمتنزهين و الاهتمام الكبير بنظافة المكان ، وبالمثل فإن الفرق التطوعية و أهالي المنطقة يبذلون ما بوسعهم لإزالة كل ما يشوه هذا الجمال فتظافرت الجهود من أجل هدف واحد هو المحافظة على هذا المكان .
لكن للأسف دائما هناك ما يعكر صفو سعادتك ، و يجعل الضيق يتسرب الى نفس فهناك من يقوم بتشويه هذا الجمال دون أن يهتم لمشاعر الناس ، و هذا ينم عن شخصية عابثة غير متزنة و غير مدركة للواجب الديني و الأخلاقي و الوطني الملقى على عاتقها ، في ظل غياب الوعي فمن المعيب أن تستمع بالمكان ثم تتركه كومة من القمامة ، و الإسلام يحثنا على النظافة و عدم إلحاق الأذى بغيرنا وفي نهاية الرحلة ليسمح لي الشاعر مهدي الحكمي بأن استعير جزء من قصيدته في جازان لأصف ما رأيته في وادي حلي :
تختال في حلل الدلال وتنتشي
وتميس في ثوب الجلال وترفل
سحر تبدّى لا يغيب وروعة
لا تنتهي ونضارة لا تذبل